درجات الحب
المحتويات
تعريف الحب
الحب هو إحساسٌ وشعور عميق وقويّ بالانتماء والاتصال بالآخر، يتضمن الرغبة في
الاقتراب من الشخص الآخر والاعتناء به بشكل خاص، ويتميز بالرغبة الشديدة في
رؤيته سعيدًا ومزدهرًا، والتضحية والتفاني في سعادته وراحته. كما يشمل أيضًا
الشعور بالتقدير والاحترام العميقين، والرغبة في المشاركة في حياة الشخص الذي
نحبه بشكل كامل ومتكامل.
دعونا نستكشف سويًا عوالم تنبض بالحب، تبدأ من محطة قلب متشابك وتسلك طريق الهوى، مروراً بمحطات تشمل الصبوة
والشغف، تلتقي بالكلف ونغمات العشق والنجوى والودّ، حتى نصل إلى أعالي الهيام،
ربما الجنون، وننير دروبنا بضوء يزيد من جمال العالم ويجعلنا نرى حقيقته
بألوانه المتألقة ونسمع نغماته الساحرة. فأيّ درب سلكْتَ؟ وأيّ درجة بلغتَ؟
الهوى
المشاعر الأولى في مسار الحب، حيث يتجلى في العاطفة التي يعيشها الشباب نتيجة
للتغيرات الهرمونية في أجسادهم، فيه يتولد الانجذاب نحو الشريك ونشوة رومانسية
جديدة، ويترافق غالبًا بالشعور بالإعجاب الكبير والرغبة في الاتصال والتفاعل
المستمر مع الشخص المحبوب. في هذه المرحلة يكون الحب مؤقتاً، حيث يمكن أن ينمو
بسرعة أو يتلاشى ويختفي.
وعن الهوى، قال أبو تمام:
نقل فؤادك
حيث شئت من الهوى ** ما الحب إلى للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه
الفتى ** وحنينه أبدا لأول منزل
الصَّبْوة
هي المرحلة الثانية في مسار الحب تلي الهوى مباشرة، حيث يكون هناك ود متبادل
بين الأشخاص مع انعدام الالتزام الرسمي. تتميز هذه المرحلة بالرغبة الشديدة في
الشخص المعجب به، وتكون الجاذبية العاطفية بينهما قوية، مما يمكّنهما من
التفاعل بطرق رومانسية والتعبير عن مشاعرهم بدون الدخول في علاقة حب رسمية أو
ملتزمة.
وعن الصَّبْوة، قال عنترة بن شداد:
إذا ريح
الصَّبا هبت أصيلاَ ** شَفَت بهبوبها قلْباً عليلا
وجاءَتني تخبر أنَّ
قومي ** بمن أهواه قد جَدّوا الرّحيلا
الشغف
الكلف
يشير إلى الحماس العميق نحو شخص معين، والذي يتجلى في الاهتمام المكثف
والاندفاع الشديد. ويقصد به أيضا الولوع بالشيء مع شغل قلب ومشقة حيث يتسم بشدة
العاطفة التي قد تؤدي إلى إيذاء هذا الشخص وتسبب له المعاناة. يمكن أن يُثير
هذا المستوى الكبير من الشغف ردود فعل جسدية عنيفة، ويجعل المُحِب مفتونًا
بالشريك بشكلٍ عميق.
وعن الكلف، قال أبو النواس:
يا قلب ويحك
جِد منك ذا الكَلَف ** ومَن كلِفت به جافٍ كما تصفُ
وكان في الحق أن يهواك
مُجتهِداً ** كذاك خبّر منّا الغابر السَلَفُ
العشق
حالة شديدة من الحب والانجذاب العاطفي، تصل إلى مستوى متقدم، حيث يسيطر الشعور
بالمشاعر على قلب الإنسان بالكامل ويبلغ ذروة العواطف الجميلة. يتميز بالشعور
العميق بالاندفاع والشغف، والرغبة الشديدة في التفاعل والاندماج بشكل كامل مع
الشخص المحبوب. والمعنى المجازي لكلمة "عشق" يشير إلى التداخل العميق أو الغيم
المطرب في الحبيب. ويمكن أن يتسم العشق بالرومانسية العالية والرغبة في الاتصال
العاطفي العميق، وقد يؤدي إلى السلوكيات المتشبعة بالعاطفة والتفاني نحو الشخص
المعني.
وعن العشق، قال نزار قباني:
عندما قررت أن أنشر
أفكاري عن العشق ترددت كثيراً
فأنا لست بقسيس ولا مارست تعليم التلاميذ
ولا
أؤمن أن الورد مضطر
لأن يشرح للناس العبيرا
ما الذي أكتب يا
سيدتي؟
إنها تجربتي وحدي
وتعنيني أنا وحدي
إنها
السيف الذي يثقبني وحدي
فأزداد مع الموت حضورا
النجوى
حالة عاطفية عميقة تتميز بالحنين والشوق الشديد لشخص معين وتعني النجوى الحرقة
أو شدة الوجد من الحب أو الحُزْن. وتتضمن الشعور بالحنين والتأثر العاطفي،
والرغبة العميقة في العودة إلى هذا الشخص. وفي هذه المرحلة يكون الحب عميقًا
إلى حد الحزن، حيث يحتاج الشخص إلى الحبيب بطريقة تجعله يشعر بالألم وبأن
مشاعره ضعيفة. والوصول إلى هذا المستوى من الحب يجعل الطرفين مفتوحين تمامًا
لبعضهما، مشاركين في محادثات عميقة حيث يكشف كل منهما عن الضعف الذي يشعر به
تجاه الآخر. وتعود معنى النجوى إلى الخلاص والمناجاة.
وعن النجوى،
قال حسين أحمد النجمي:
أسافر في عينيك أبحث عن مأوى ** أيا رحبة الأحداق ياعذبة النجوى
نسيت
على أهدابك السود عالمي ** وحلَّقت مشتقاً مع الأنجم النشوى
الودّ
هو خالص الحب وألطفه وأرقّه، تعبر عن مدى الإعجاب أو التقدير أو الإحساس
بالراحة والطمأنينة تجاه شخص ما. إنها تعكس الشعور الإيجابي والإحساس بالتقبل
والاحترام تجاه الآخر. وتُعتبر درجة الود مؤشرًا على مدى قرب العلاقة بين
الأشخاص ومدى ارتباطهم العاطفي أو الاجتماعي. حيث بعد أن يمرّ المحبّان بالحزن
والضعف والألم جرّاء حبهما، يصبح كلاهما قادرًا على التعبير عن أنقى أشكال الحب
وإظهار الرفق الحقيقي تجاه بعضهما البعض بعد كل تلك المعاناة والألم التي خضعا
لهما. تكون هذه المرحلة مليئة بالرقة والحنان نحو الشريك، حيث يتعلم المحبان
كيفية مواجهة الضعف وحماية حبهما وأنفسهما.
وعن الود،
قال المتنبي:
أقل اشتِياقاً أيّها القلب ربما ** رأيتُك تُصفي
الوُد من ليس صافِيا
خُلِقت ألوفاً لو رجعت إلى الصّبى ** لفارقت شيبي
مُوجَع القلب باكِيا
الهيام أو الجنون
في أعماق درجات الحب الأكثر ارتفاعًا واكتمالًا تكمن حالة الهيام، المعروفة
أيضًا بالجنون، الجنون الخالص من كثرة الحب والعشق، حيث ينغمس الشخص في حريته
الكاملة ويعيش المشاعر غير المنطقية والغير عقلانية. تمثل هذه الحالة نتيجة
لمروره برحلة طويلة من الحب، حيث يخصص الفرد كل عواطفه للحبيب في هذا الوقت.
وهو حالة شديدة من الإعجاب والوله بشخص ما، وفي المعنى المجازي، كلمة "هيام"
تدل على الفناء أو الموت، مما يعني أن العاشقين يصلون إلى ذروة السعادة والنعيم
بعد أن يجدوا بعضهم البعض ويتغلبون على جميع تحديات الحب معًا. ويكون الشخص
المهيمن مُغرمًا بالشخص الآخر بشكل شديد ومتطرف، كما يصاحب الهيام شعور
بالإرتباك والإنجذاب الشديد نحو الشخص المحبوب، وقد يترافق مع تفكير مستمر
بالشخص الآخر والرغبة في قضاء الوقت معه والإعراب عن مشاعر الحب بشكل متكرر
ومكثف.
وعن الهيام، قال حسن الطويراني:
أَعطى الهيام جمال
بالذي أخذا ** واستنفد الصبر لَما حكمُه نفذا
وهَل ترى صحوة من والهٍ دنفٍ
** فؤاده من حميا وجدِه جَأذا